البيئة ودورها في بناء الشكل الفني للقصص الشعبي بالمغرب
لقد بات من باب المصادرات اليوم، القول بارتباط الظاهرة الأدبية بالبيئة التي صدرت عنها، سواء على مستوى المعنى أم على مستوى المبنى. وفي هذا الصدد لعبت البيئة بمختلف تمظهراتها الطبيعية والاجتماعية والثقافية، دورا هاما في صياغة الشكل الفني للقصص الشعبي بالمغرب.
إن التحدث عن العلاقة التي تربط المعطيات البيئية بشكل القصص الشعبي بالمغرب يقتضي منا التوقف عند النقط التالية:
• بساطة القصص الشعبي المغربي:
يتسم القصص الشعبي المغربي، العربي و الأمازيغي على السواء، بظاهرة البساطة.
وهي كما لا يخفى، ظاهرة فنية مؤثرة مارست تأثيرها على القصص الشعبي العربي، بل و حتى العالمي، واستحالت بحكم التكرار إلى أساسٍ جماليٍّ عام، ساهم بشكل حاسم في رسم أهم ملامح الحدث والشخصية والزمان والمكان و اللغة والبناء الفني…بيد أن السؤال الذي يلح بذاته و بقوة، في هذا المقام هو: ما هي بواعث انتشار البساطة في القصص الشعبي المغربي؟
يمكن إرجاع بساطة الحكي الشعبي المغربي إلى عاملين اثنين هما:
1. بساطة القصص الشعبي المغربي في حد ذاته، ذلك أنه منتزَع من الشعب الذي يتميز سواده الأعظم بالبساطة في كل شيء: في نمط عيشه، وطريقة تفكيره، وطبيعة ثقافته، بل و حتى في أحلامه وتطلعاته.
2. نهج الرواة: فالراوي، وهو يسرد حكايته، يتملكَّه هاجس واحد هو البلوغ بالمتلقي/المستمع إلى شط الإرشاد والنصح والإفادة من المغزى المتضمَّن، أو المصرَّح به، في النص المحكي. ولكي يتسنى له ذلك ينبغي أن تكون الحكاية مجردة عن كل تعقيد لفظي أو معنوي.
يجنح إذن، كل من الراوي كمنتج للحكاية، والشعب كمتلق لها نحو البساطة. ومن ثم فهما يدخلان، وإن بشكل عفوي، في نوع من التعاقد ينصُّ، فيما ينصُّ، على تبسيط النص الحكائي الشعبي.
والبساطة من جهة أخرى، تمظهرت في القصص الشعبي المغربي من خلال تركيز الرواة على آليتين اثنتين هما:
1. عدم الاحتفاء بالصعوبات والإكراهات التي تعترض تحقق الفعل/الحدث. فهذا الأخير يتحقق حالا بمجرد تفكير البطل في تحقيقه(2)، ومن ثمة فالراوي لا يعبأ بالحدث في حد ذاته وإنما بما ينطوي عليه من مقاصدَ، وما يؤول إليه من نتائج، تشكل في مجموعها المحصولَ الأخلاقي الذي يمكن عده الأسَّ الذي ترتكز عليه الحكاية.
2. اتكاء الرواة على الاقتصاد اللغوي الذي يتم على مستوى المفردات و الجمل و التراكيب…بل إن الراوي لا يتحرَّج في توظيف فعلين متتاليين، يشكل الأول المقدمة، والثاني النتيجة على الرغم من بعد الشقة بين المقدمة والنتيجة.
ولتوضيح كيفية الاشتغال النصي للآليتين السابقتين
نورد المثال التالي:
- في حكاية: «الفاهمة» يرغب السلطان معرفة ماذا يقول الماء عندما يَغْلي، فيكلف وزيره بالبحث عمن يشبع فضوله، ويخرجه من حيرته. إن عملية البحث لا بد وأن تستغرق وقتا وجهدا معينين، إلا أن الراوي يحمل فعلَ البحث ونتيجتَه في بضع كلمات هي: «مْشَى لوْزيرْ، تَايْقلبْ}يَبْحَثُ{، وهو يدقْ على واحدْ الدارْ».
وبعدما عثر على الشخص الذي فك اللغز، وكان فتاة، يخبر الوزيرُ السلطان بذلك، فيقرر هذا الأخير الزواج بها.
يقول الراوي: «هو الوزيرْ مْشَى عندْ السلطان وتا واحد ما عرف الحَل، هو يْقُوليهْ دَاكشي اللي قالت البنت}أَخْبَرَهُ بِمَا قَالَتِ البِنت{ هو يتْجَوجْهَا السلطان».
في كلام الراوي السابق ثلاثة أفعال/أحداث هي:
1. ذهاب الوزير إلى السلطان.
2. إخباره بنتيجة البحث.
3. زواج السلطان بالفتاة الجميلة الذكية.
إن الأفعال السابقة لا بد وأن يستغرق إنجازها وقتا معينا، إلا أن الراوي نحا منحى التبسيط، وابتعد عن كل التواء أو تعقيد، فقدَّم كل هذا مجملا ومكثفا، دون أن يكلف نفسه عناء التفسيرأو التحليل أو التعليل. وهو هنا مدفوع، عن قصد أو بدونه، برغبة نحو البساطة، بيد أن البساطة هنا ليست جريرة تحسب على القصص الشعبي، بقدر ما هي نزوع جمالي شعبي يضمر عمقا فنيا وثراء دلاليا كبيرا قد تفتقر إليهما الكثير من النصوص الأدبية الرسمية.
• الافتتاحية:
يسمي فردريش فون ديرلاين الافتتاحية بـ»قانون البداية»، وهي عبارة عن جملة/جمل نمطية تتموقع في بداية الحكاية. وعلى الرغم من اختلاف هذه الجمل لفظا وتركيبا، فقد حازت نصيبا متزايدا من الاهتمام من لدن رواة السرد العربي، نظرا لما تؤديه من أغراض، فبالرغم من أن المسافة القولية لهذه البنية لا تتعدى الجملة الأولى من النص السردي، إلا أنها استطاعت أن تفرض ذاتها وتتحول إلى تقليد فني التزم به السرد العربي القديم، عالما كان أو شعبيا.
تعليقات
إرسال تعليق